سورة الكهف - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}
{وكذلك أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} أي كما أنمناهم وبعثناهم أطلعنا الناس عليهم {ليعلموا} الضمير للقوم الذين أطلعهم الله على أصحاب الكهف: أي أطلعناهم على حالهم من انتباههم من الرقدة الطويلة ليستدلوا بذلك على صحة البعث من القبور {إِذْ يتنازعون بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ} العامل في إذ أعثرنا أو مضمر تقديره اذكر، والمتنازعون هم القوم الذين كانوا قد تنازعوا فيما يفعلون في أصحاب الكهف، أو تنازعوا هل هم أموات أو أحياء، وقيل: تنازعوا هل تحشر الأجساد أو الأرواح بالأجساد؟ فأراهم الله حال أصحاب الكهف ليعلموا أن الأجساد تحشر {فَقَالُواْ ابنوا عَلَيْهِمْ بنيانا} أي على باب كهفهم إما ليطمس آثارهم أو ليحفظهم ويمنعهم ممن يريد أخذهم أو أخذ تربتهم تبركاً، وإما ليكون علماً على كهفهم ليعرف به.
{قَالَ الذين غَلَبُواْ على أَمْرِهِمْ} قيل: يعني الولاة وقيل: يعني المسلمين لأنهم كانوا أحق بهم من الكفار، فبنوا على باب الكهف مسجداً لعبادة الله.


{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
{سَيَقُولُونَ} الضمير لمن كان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود أو غيرهم ممن تكلم في أصحاب الكهف {رَجْماً بالغيب} أي ظنا وهو مستعار من الرجم بمعنى الرمي {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} قال قوم: إن الواو واو الثمانية لدخولها هنا وفي قوله: سبع ليال وثمانية أيام، وفي قوله في أهل الجنة: {وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73] وفي قوله في براءة {والناهون عَنِ المنكر} [التوبة: 112] وقال البصريون: لا تثبت واو الثمانية وإنما الواو هنا كقوله: جاء زيد وفي يده سيف.
قال الزمخشري: وفائدتها التوكيد. والدلالة على أن الذين قالوا سبعة وثامنهم كلبهم صدقوا وأخبروا بحق، بخلاف الذين قالوا ثلاثة ورابعهم كلبهم، والذين قالوا خمسة وسادسهم كلبهم، وقال ابن عطية: دخلت الواو في آخر إخبار عن عددهم لتدل على ان هذا نهاية ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام، وكذلك دخلت السين في قوله سيقولون الأول، ولم تدخل في الثاني والثالث استغناء بدخولها في الأول {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} أي لا يعلم عدتهم إلا قليل من الناس، وهم من أهل الكتاب، قال ابن عباس: أنا من ذلك القليل، وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم، لأنه قال في الثلاثة والخمسة: رجماً بالغيب ولم يقل ذلك في سبعة وثامنهم كلبهم {فَلاَ تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَآءً ظاهرا} لا تمار: من المراء وهو الجدال والمخالفة والاحتجاج، والمعنى لا تمار أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف إلا مراء ظاهراً، أي غير متعمق فيه من غير مبالغة ولا تعنيف في الردُّ عليهم {وَلاَ تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِّنْهُمْ أَحَداً} أي لا تسأل أحداً من أهل الكتاب عن أصحاب الكهف، لأن الله قد أوحى إليك في شأنهم ما يغنيك عن السؤال.


{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23)}
{وَلاَ تَقُولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذلك غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله} سببها أن قريشاً سألوا اليهود عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: اسألوه عن فتية ذهبوا في الزمان الأول وهم أصحاب الكهف، وعن رجل بلغ مشارق الأرض ومغاربها وهو ذو القرنين، وعن الروح، فإن أجابكم في الاثنين وسكت عن الروح فهو نبي، فسألوه فقال غداً أخبركم ولم يقل إن شاء الله، فأمسك عنه الله الوحي خمسة عشر يوماً، فأوجف به كفار قريش وتكلموا في ذلك، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء جبريل بسورة الكهف فقص عليه فيها قصة أصحاب الكهف وذي القرنين، وأنزل الله عليه هذه الآية تأديباً لهم وتعليماً، فأمره بالاستثناء بمشيئة الله في كل أمر يريد أن يفعله فيما يستقبل، وقوله: غداً يريد به الزمان المستقبل، لا اليوم الذي بعد يومه خاصة، وفي الكلام حذف يقتضيه المعنى وتقديره: ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً إلا أن تقول: إن شاء الله أو تقول إلاّ أن يشاء الله، والمعنى أن يعلق الأمر بمشيئة الله وحوله وقوته، ويبرأ هو من الحول والقوة، وقيل: إن قوله إلا أن يشاء الله بقوله لا تقولنّ. والمعنى لا تقولنّ ذلك القول إلا أن يشاء الله أن تقوله بأن يأذن له فيه، فالمشيئة على هذا راجعة إلى القول لا إلى الفعل، ومعناها إباحة القول بالإذن فيه، حكى ذلك الزمخشري، وحكاه ابن عطية، وقال إنه من الفساد بحيث كان الواجب ألا يحكي.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8